متجر التحف

متجر التحف

كان المتجر مكتظًا بالتحف، مزهريات مختلفة الأحجام والأشكال، قطع من الكريستال، صحون من النحاس محفور عليها نقوش للكثير من الأحياء، أزهار تتطلع للشمس، أفراخ دجاج تلتقط الحبوب، زوج من الحمام على غصن شجرة عارية، نساء يضحكن ويمشطن شعورهن، ونقش لرجل يحمل بيده سكينًا ويسحب بالأخرى غزالًا، وثمة حائك يخيط ثوبًا، ورجلًا يحمل صندوقًا ثقيلًا، يبتسم وقد تصبب وجهه عرقًا، وفي صدر المتجر وضعت مزهرية كبيرة تملؤها الشقوق، أما البائع العجوز فكان يقف جوار المزهرية الكبيرة طوال النهار، يمسح عليها براحته بلطف، ويزيل عنها ذرات الغبار بحرص بينما يتعالى صوته في المتجر:

– انتبه وأنت تحرك القطع، أنت هناك لقد أوشكت أن تسقط الكريستال، انتبه!

تقدم رجل في العقد الثالث من العمر، دفع باب المتجر الزجاجي بقوة فكادت المزهرية القريبة أن تسقط، اندفع أحد العاملين بالمكان لتفقدها، قال الزبون معتذرًا:

– عفوًا لم أقصد ذلك.

ابتسم له العامل:

– لا بأس سيدي، لقد مرت بسلام، تفضل!

تجول الزبون في المتجر الضيق، لقد كانت القطع الفنية تملأ المكان لدرجة خانقة، اقترب من العجوز الذي بادره بالسؤال وهو لا يزال منشغلًا بمزهزيته:

– عن أي شيء تبحث؟

– هدية لزوجتي.

– هل تحب التحف؟

– لا أعرف بالضبط.

اعتدل العجوز ونظر إليه بارتياب وسأله:

– لماذا تشتري لها تحفة إذن؟

أجابه الرجل بفتور:

– لقد طلبت هي ذلك ذات مرة.

 – ما هو طلبها؟

– لا أذكر.

– غريب أمرك.

قالها وانصرف عنه لمزهزيته، فوقف الزبون صامتًا لبرهة ثم دقق النظر في العجوز وانحنى بجذعه ليكون فمه قريبًا من أذن العجوز وسأله بفضول:

– ما سر هذه المزهرية؟

أجابه العجوز دون أن يلتفت إليه:

– إنها ليست للبيع.

– لم أسأل عن سعرها، بل أسألك عنها، تبدو محطمة تمامًا ولكنك مهتم بها كثيرًا.

– ليست محطمة.

رفع الرجل حاجبيه بدهشة وهتف:

– لكنها محطمة تمامًا، انظر إليها جيدًا أم أنك قد فقدت بصرك؟

انتفض العجوز واقفًا وحدج الرجل بنظرة نارية قائلًا:

– أخبرتك أنها ليست محطمة.

– هل تحاول إقناعي أن تلك المزهرية مكونة من ألف قطعة متراصة بهذا الشكل؟

تنهد العجوز وعاد ينشغل بالمزهرية وأجاب:

– هذه المزهرية هي تحفة هذا المتجر، إنها هنا منذ افتتاحه، لقد كانت القطعة الأولى، ولم تكن للبيع أبدًا، كانت جميلة وآمنة حتى ذلك اليوم.

أطرق العجوز برأسه وتوقف عن الكلام لبرهة وقد تجمدت يده، فسأله الرجل:

– ثم؟

أشاح بوجهه وقد رفع يده بحياء يمسح دمعة ثقلت بمقلته وأفلتت منها:

– ثم جاء اليوم الذي تزايدت فيه ديوني وكدت أخسر تجارتي، كنت منفعلًا، أصرخ بأعلى صوتي، ألوح بذراعي بقوة، ثم صببت عليها جم غضبي، رفعتها بيدي ورميتها أرضًا.

أكمل الرجل:

– وتحطمت.

التفت إليه العجوز مستدركًا:

– يومها تحطمت، وبقيتُ شهرًا كاملًا أجمع أجزاءها وألصقها الواحدة بالأخرى.

– أضعت شهرًا كاملًا لاستعادتها؟! كان عليك أن تتخلص منها، لقد كانت تجارتك تمر بأزمة فأضعت كل هذا الوقت لأجل استعادة مزهرية؟

أشاح العجوز بوجهه وهو يقول:

– اخرج من هنا.

– ماذا؟

– اخرج من متجري أو اشترِ لزوجتك عشرة تحف إن أردت.

– أتيت لشراء تحفة واحدة.

– ستحتاج إلى عشرة على ما أظن.

قالها وعاد ينشغل بالمزهرية والدموع تسيل من عينيه.

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.