مراجعة رواية “الشلال” للكاتب أحمد دعدوش

مراجعة رواية “الشلال” للكاتب أحمد دعدوش

0
(0)

قرأت رواية الشلال للكاتب أحمد دعدوش بدعوة وتزكية كريمة من صديقتي الكاتبة المبدعة سحر خواتمي، كان لدي الكثير لأقرأه: الرواية الأصلية فيما يقارب المائتي صفحة و ومراجعة الكاتبة سحر خواتمي لها.

ذكرتني رواية الشلال بعدد من الروايات التي قرأتها قبلًا أهمها رواية في قلبي أنثى عبرية لخولة حمدي، ورواية قواعد العشق الأربعين لألف شفق، ورواية ثالثة لا يسعني تذكر اسمها للأسف لكنها كانت تعالج موضوعًا مشابهًا على الطريقة الصوفية، وكذلك رواية الرمز المفقود لدان دارون، وأخيرًا تجربة شخصية لأول وثان روايتين حاولت أن أكتبهما في حياتي بعنوان أسطورة من عصر اللا أسطورة وأنا وحبيبي والكتاب، وكنت حينها دون العشرين من عمري، لأدرك بعدها مدى صعوبة كتابة الرواية، ومشقة هذه التجربة.

إذا تحدثت عن الطابع العام للرواية فقد أختلف مع الكاتبة سحر خواتمي قليلًا، فأنا بطبعي أستطيع قراءة رواية من أولها لآخرها بأمانة حتى لو لم يعجبني موضوعها أو تصنيفها، ما دام الهدف هو قراءة العمل وتحليله ومناقشته، للأسف رواية الشلال كانت من بين الروايات التي قرأتها دون شغف أو استمتاع كاف، ولولا الهدف والإرادة لما أكملتها، هذا ليس انتقاصًا للرواية وجهود الكاتب الواضحة فيها، ولكن السبب هو صعوبة ذوقي الخاص الذي تعجز الغالبية العظمى من الروايات عن إرضائه.

التصنيف الفني للرواية

صحيح أن الكاتب قد صنف روايته باعتبارها فانتازيا فلسفية، وهذا صحيح تمامًا، وقد أحسن كما ذكرت أ. سحر في عدم الانحراف بالمسار نحو الرعب، ولكن الرواية عالجت الفانتازيا بطريقة دينية وعقائدية، لهذا أجد أن تصنيفها الفني هنا ضبابي بعض الشيء.

من ناحية ثانية، موضوع الرواية والقضايا التي عالجتها من المرجح أن تتسبب في رفع تصنيفها العمري لما فوق الواحد والعشرين عامًا، خاصة وأنها احتوت مناقشات عقائدية غاية في الخطورة، وذكر للمخدرات في أكثر من مرة.

بناء الشخصيات وأدوارها

لم تستعرض الرواية الكثير من الشخصيات، واقتصرت على ثلاث شخصيات رئيسية تقريبًا: همام البطل، فراس المعلم، كيتشي أمين السر، والباقي شخصيات ثانوية.

صحيح أن الكاتب اهتم ببناء شخصية همام، فمكن القارى من معرفة اسمه، عمره، دينه، جنسيته، حالته الاجتماعية والصحية، حياته المهنية، لكن البعد النفسي لهمام لم يعالج من وجهة نظري على نحو جيد، وباعتقادي أن السبب يرجع لتقنية السرد المستخدمة، فثمة راوي يقوم بالسرد بطريقة الرؤية من الخلف، وهذه الطريقة تضع قيودًا على الكاتب في وصف دواخل الشخصية بشكل كبير، يمكنني تصور الرواية على لسان همام نفسه، وهنا سيكون بمقدور همام أن يشرح أفكاره، مشاعره، تناقضاته واضطرابه بطريقة أفضل وأعمق.

وبما أن الرواية لا تدور حول شخصيات كثيرة، ولا تعالج حبكات فرعية، ولا تدور في أماكن متفرقة، فإن تقنية السرد من الخلف جعلتها أكثر تسطحًا للأسف.

عودة للشخصيات، تم بناء همام على نحو جيد إذا ما قارناه بفراس مثلًا، حيث يبدو فراس شخصية غامضة لا يعرف عنه سوى اسمه وعمره وجنسيته وبعض اهتماماته وتوجهه الديني.

لكن كلًا من همام وفراس وغيرهم يفتقرون لعنصر هام في بناء الشخصيات وهو القصور، الشخصيات لا تنفعل سلبًا بطريقة طبيعية خاصة فراس، الذي يتصرف بطريقة مثالية على نحو مبالغ فيه، لا انفعالات جسدية أو لفظية، لا انقلابات عاطفية، صد، هجوم، ثورة، اضطراب، ملل، رفض، الخ، يبدو من السرد أن الشخصيات مدفوعة لأداء دورها لكنها لا تتصرف بطبيعتها.

الحبكات

الحبكات من أكثر العناصر أهمية في الرواية، ومن المفترض أن نجد في الرواية حبكة رئيسية مقسمة لثلاث حبكات على الأقل، إلى جانب الحبكات الفرعية سواء للشخصية الرئيسية أو الشخصيات المصاحبة لها.

لكننا في رواية الشلال لا نجد ذلك، فثمة حبكة واحدة رئيسية، حيث يبحث همام عن المعرفة، والحقيقة التي لا يعرف شيئًا عنها، إنه يبحث عن المجهول، وبالتالي هو متخبط ومضطرب، وخلال بحثه لا يواجه بعقبات حقيقية ترفع وتيرة الصراع في الرواية، وعلى سبيل المثال: حين سأل همام صديقه عن تجربة جديدة كان الحصول عليها سهلًا للغاية وأقصد زيارة الشامان، كذلك حصول همام على ثقة الشامان تمت بسرعة وبكل سهولة ولم تمثل عقبة، سوء الحالة الصحية لهمام لم تمثل أي عقبة في مشواره رغم أن الكاتب اهتم بذكرها في كل موضع ممكن، لكنها لم تتعد السعال وصعوبة التنفس، في حين يغير السرطان حياة ضحيته على نحو أكثر حدة.

كذلك اتقان همام للعربية جاء في غير صالح الرواية للأسف، حيث كان بامكان الكاتب الإفادة من عقبة اللغة لخلق فوضى مقصودة وسوء فهم وتحد لدى البطل مثلًا.

حب أوليفيا لهمام كان بداية عقبة لم تستغل، ورغم ذلك زج بها الكاتب في النهاية بطريقة بدت لي زائدة عن الحاجة وبدون قيمة درامية، كما جاءت على عجالة، أتصور أن أوليفيا لو أنها زميلة عمل، محبة، وجارة مثلًا لكان من الممكن تفعيل دورها بشكل أفضل، خاصة لو استخدمنا عقبة اللغة، فهمام وصديقته لا يجيدان العربية، كلاهما متشكك وبلا دين، كلاهما يبحث عن الحقيقة، أحدهما يرغب بالارتباط والآخر يهرب منه، يلتقي همام بفراس ويتصادم معه، لكنه يفضي بمكنونات نفسه لصديقته، فيبدآن رحلة البحث عن الحقيقة معًا، وخلال تلك الرحلة يواجهان بالعقبات الواحدة تلو الأخرى، يلتقيان مجددًا بفراس ويكون كل واحد منهما رأيًا مختلفًا حول ما يفول، ربما تميل الفتاة لتصديقه ويرفض الشاب، تتزايد حدة الصراع والجدل، تنفصل الفتاة عن صديقها وتصبح أميل لتصديق فراس، ويخوض همام رحلة وحدة جديدة بمعطيات كثيرة حتى يلحق بصديقته، وعندما يسلم الاثنان ويقبلان على الزواج يهجم المرض بشراسة ويموت همام، سنصل عندها للنهاية ذاتها لكن بزخم كبير من الأحداث والتعقيدات والصراعات.

ثمة إضافات بدت لي زائدة وتحمل الرواية فوق طاقتها، فالزج بالقضية الفلسطينية ، الرأسمالية، والأنيمي، كلها بدت لي زائدة وتعبر فقط عن رأي الكاتب الشخصي ولا ترتبط بأحداث الرواية أو تثريها بقوة.

اللغة والوصف

لغة الرواية جيدة والوصف فيها جميل ويمكن القارئ من رؤية المشاهد بعينيه، لكني أعتقد أن الكاتب كان يفتقر لبعض الشجاعة في الوصف، فالوصف متطرف نحو الإيجابية، في حين أن المشاهد التي تطلبت وصفًا سلبيًا مزعجًا أحجم عنها الكاتب للأسف.

في الختام، تبدو رواية الشلال كرواية وعظية تثقيفية بأكثر من كونها رواية ممتعة تقدم الفكرة والمعلومة بطريقة غير مباشرة، الأفكار الواردة في الرواية بحد ذاتها جميلة، لكني تمنيت أن أراها معروضة بطريقة مختلفة عن الحوار المباشر، الوعظ، والسرد من الخلف، مع ذلك يستحق الكاتب كل الشكر والتقدير، وهذه المراجعة لا تنتقص من جهوده أبدًا، وانما تحاول الإضافة إليها.

قيم هذا المقال

0 / 5. 0

كن أول من يقيم هذا المقال

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.