Your cart is currently empty!

وحش الثانوية العامة هو وهم خلقه الإعلام
سؤال طُرح كثيرًا في الجلسات المسائية التي لا هدف لها في الحقيقة غير تمضية الوقت والمشاركة في احتساء القهوة وتناول الحلويات والمعجنات، حيث يجلس العديد من النساء والفتيات معًا يتبادلون أطراف الحديث، وغالبًا ينتمون لجنسيات مختلفة، هذا السؤال قد طُرح مرارًا وتكرارًا، وتعصب له البعض؛ لأجل هذا قررت أخيرًا أن أكتب مقالًا مطولًا أفرد فيه رأيي الخاص في هذه القضية التي قد يؤدي اختلاف الرأي فيها للطعن في وطنيتك وانتمائك دون وجه حق، والمسألة فكرية بحتة.
“هل التعليم هناك أصعب بالفعل؟” هذا السؤال وجه إلي كثيرًا باعتباري قد اجتزت التجربة في دولتين مختلفتين، الكل كان يتوقع إجابة تليق بالصورة الذهنية التي جاهدت وسائل الإعلام لرسمها في الأذهان عن وحش الثانوية العامة، ولكن إجابتي كانت دومًا بسيطة: “لا، ليس كذلك الأمر لا يختلف كثيرًا من حيث المادة العلمية” وكنت أضطر لشرح الأمر في 60 دقيقة على الأقل، وينتهي النقاش باستسلام مرجعه عدم القدرة على التقاط الفكرة أو ما شابه، وأحيانًا عدم القدرة على التراجع عن الرأي.
هل التعليم أصعب هنا أم هناك؟ الحقيقة أن كلمة “أصعب” بحد ذاتها مشكلة، فالصعوبة والجودة لا يرتبطان ارتباطًا طرديًا، برأيي قد يحدث العكس كثيرًا، دعوني لا أستبق الأفكار استباقًا، إذن ما هي العوامل التي تجعل من العملية التعليمية أصعب أو أسهل بداية؟
إن محصلة الجودة في كل عنصر من عناصر العملية التعليمية يحدد النتيجة، هذه العناصر هي: كيفية تحصيل المادة العلمية، مواعيد تحصيل المادة العلمية، مدى توفر الوسائل المساعدة، دورية الامتحان، الدمج أو الفصل بين المواد في الامتحانات، التشويش، الرقابة الإدارية.
وكلما كان بإمكان الطالب تحصيل المادة العلمية بطريقة منتظمة، في بيئة آمنة، منخفضة التشويش، عن طريق وسائل تعليمية سهلة القراءة، مصاغة بشكل جيد، واضحة، متاحة بشكل ورقي ورقمي، وكلما كان بإمكانه الحصول على المواد التدعيمية بسهولة كزيارة المكتبات واستعارة الكتب، وكلما كانت دورية الامتحانات منطقية – امتحان كل 3 أشهر وليس كل اثنا عشر شهرًا – وكلما كانت هناك رقابة جيدة تتضمن تكافؤ الفرص وعدم الغش، وكلما كانت ظروف تحصيل المادة العلمية واختبار القدرات وما تم تحصيله توفر الهدوء والراحة وتقلل من الضغط النفسي والاجتماعي، كلما توفرت هذه العوامل كلما كانت العملية التعليمية أحسن أسهل.
ولاحظ أن كل ما سبق لم يتضمن كم المادة العلمية أو مصدرها، لأن المادة العلمية لا يجب أن تختلف اختلافًا جذريًا بين دولة وأخرى، أو بين نظام تعليمي وآخر، خاصة في مراحل التعليم الأساسية، وإنما العوامل التي تتحكم في جودة هذه المادة هي درجة الإيجاز أو الاطناب الذي تعتمده في تقديم المعلومات، درجة تسييس المحتوى، ودورية التحديث، والمقياس الأهم والأكثر وضوحًا لقياس الجودة هو ناتج العملية التعليمية، قدرات الطالب الفكرية الحقيقة لا كم ما حفظه خلال سنوات عمره، قدرته على حل المشكلات وإيجاد الحلول، قدرته على تلخيص المعلومات بنفسه وتحليلها وربطها، تذكره عن ظهر قلب لأهم المبادئ والأسس وليس كلها، والأخذ في الاعتبار الفروق الفردية والميول والاهتمامات.
بعد هذا التفصيل أجب أنت عن السؤال: “هل التعليم هناك أصعب بالفعل؟”
أضف المنشور للمفضلة
اشترك في مدونة نسمة السيد ممدوح
كن أول من يقرأ جديد المقالات والقصص والمراجعات
تعليقات القراء
أحدث المنشورات
مراجعة رواية ساي لسحر خواتمي وهبة أعرابي
سلسلة فيء الغمام لسحر خواتمي وهبة أعرابي
بداخل كل منَّا جمانة عليه أن يكتشفها ويحفظها، وجميعنا بحاجة لسلام يريح نفوسنا، وجود في عواطفنا، وكلنا نحلم بزينة تجمل…
في ظلال الفصحى
هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…
أنا لا أخشى جحر الثعبان
مضت سنوات جاوزت العشر على مقال كتبته ونشرته على موقع مصراوي، حين قرأ أبي المقال قال لي: “لقد وضعتِ يدكِ…
نحن فنانون وأدباء ولسنا تجارًا
تلعب المسابقات دورًا هامًا في شحذ المهارات والقدرات واكتشاف المواهب، وتشبع كلًا من المتسابقين والجمهور نفسيًا، إنها تجربة فريدة تحمل…

نسمة السيد ممدوح
كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.
اترك تعليقاً