نحن فنانون وأدباء ولسنا تجارًا

نحن فنانون وأدباء ولسنا تجارًا

0
(0)

تلعب المسابقات دورًا هامًا في شحذ المهارات والقدرات واكتشاف المواهب، وتشبع كلًا من المتسابقين والجمهور نفسيًا، إنها تجربة فريدة تحمل بين طياتها المتعة، الفائدة، والثراء، وفي مقالي هذا أركز على المسابقات الأدبية والفنية بشكل خاص.

إن فهم طبيعة المتسابقين في هذا النوع من المسابقات ذو أهمية كبيرة جدًا، وبدونه لا يمكن لمنظمي المسابقة ضمان تنفيذ مسابقة ناجحة فعلًا، ناجحة في كافة مراحلها، وفي هذا النوع من المسابقات يمثل المتسابقون الجمهور نفسه على عكس المسابقات الرياضية مثلًا، لهذا فإن لها طبيعة خاصة للغاية.

إن أمعنا النظر في جمهور المسابقات الفنية والأدبية سنجد أنفسنا أمام جمهور ذي صفات مميزة، إنهم معتدون بأنفسهم، يتطلعون للتطور بأكثر من الفوز في المسابقة ذاتها، قسم لا بأس به منهم يعاني من عدم الانسجام في المحيط الأصغر، فوجود فنان أو أديب أو كاتب في العائلة غالبًا ما يتسم بالتفرد والمحدودية، ومن الصعب أن تجد عائلة تضم عددًا كافيًا من هؤلاء، لهذا فإن هذه المواهب تسعى للعثور على مجتمعات تندمج معها، تشعر فيها بالتقدير والاحترام، وتساعدها على التطور، تمثل المسابقات مساحة ممتازة لتحقيق ذلك شرط أن يتم تنظيمها بوعي، وشرط أن يركز منظمو المسابقة على المتسابقين جميعًا لا على الفائزين فقط، الجوائز هنا ليست هي الأهم، ومعظم المشاركون يهدفون لشرف المنافسه بالمقام الأول، والجوائز الشرفية والمعنوية تعني لهم الكثير.

هذا يقودني إلى عناصر تلك المسابقات إنها: متسابق، مشاركة، فائز، وجائزة، كل عنصر من بين تلك العناصر لا يقل أهمية عن غيره، والعنصر الذي أرغب بتسليط الضوء عليه هنا بعد تجارب شخصية عديدة هو “المتسابق”.

تهمل المسابقات المتسابقين أنفسهم بدرجة كبيرة، يبدأ هذا الإهمال من نقطة استلام الأعمال والأسلوب المعتمد لجمعها، وتأكيد استلامها، ولكي يبدو الأمر أكثر وضوحًا سأكون مضطرة لذكر بعض أسماء الجهات والمسابقات التي نظمتها والتي شاركت فيها بنفسي لتوضيح الفكرة لا أكثر، مع كامل الاحترام لكل الجهات التي سآتي على ذكرها.

في مسابقة دبلجها بالعربي لشركة Manga Productions السعودية للإنتاج، قامت الشركة بتنظيم المسابقة كاملة على وسائل التواصل الاجتماعي وليس على موقع الشركة، وهذه نقطة تحسب عليها وليس لها، فوسائل التواصل الاجتماعي جيدة ومناسبة للترويج للمسابقة وليس لتنظيمها، لقد تضمنت المسابقة تحميل أحد مقاطع الفيديو التي اختارتها لجنة المسابقة من بين أعمال الشركة، تم محو صوت الممثل من المقطع، وإضافة ترجمة لما يتوجب على المتسابق تأديته من نص، ووضعت شروط للأداء منها وضوح التسجيل بالطبع، هذه المقاطع كانت متاحة للتحميل عبر روابط مباشرة تم نشرها من خلال منشورات على منصة X مثلًا، لكن لا يوجد أي مرجع للمسابقة على موقع الشركة، وهو أمر مثير للحيرة بالفعل!

تسلمت شركة مانجا أعمال المتسابقين الذين تهافتوا على تلك المسابقة خاصة مع إتاحتها لكل الجنسيات من كل دول العالم، والتي تضمنت جائزتها فرصة المشاركة في دوبلاج أحد أعمال شركة مانجا القادمة، ومع تزامن المسابقة مع قرب إصدار النسخة العربية من أنيمي Grendizer U الذي حظى بترقب كبير بين الجمهور العربي والياباني والأوروبي، فقد وجد المتسابقون حافزًا قويًا للمشاركة، لك أن تتخيل ما كان يدور بخيال كل مشارك في تلك المسابقة، إنه يتطلع للمشاركة والفوز والإسهام بصوته في عمل يترقبه الملايين، لكن دعوني أعود للطريقة التي تسلمت بها شركة مانجا المشاركات؛ إنها نشر المشاركة على منصة X أو Instagram مع الوسم الخاص بالمسابقة، مجرد وسم Hashtag، لقد كانت هذه الطريقة محبطة للمشاركين، وكانت موثوقية وصول المشاركة من الأساس للجنة التحكيم ضعيفة وشبه منعدمة، فمع المشاركات الكثيرة، والتكرار الذي قد يحدث بسبب نشر المتسابقون لأعمالهم على المنصتين سيكون من الصعب جدًا حصر المشاركات، ومن ثم النظر فيها بدقة، والنتيجة هي وصول جزء من المشاركات وليس جميعها للجنة التحكيم، وبالطبع عدم تكافؤ فرص المشاركين، هذا لا يشكك في نزاهة اللجنة وإنما يعني وجود خلل وقصور في تنظيم مسابقة من هذا النوع، خاصة مع امتلاك الشركة لموقع كان من الممكن أن يسهل الأمر كثيرًا، ويجعل وصول المشاركات أكثر ضمانًا، ماذا عن بناء صفحة هبوط على موقع الشركة مخصصة للمسابقة، تتضمن شروطها، إطارها الزمني، المقاطع المراد تحميلها، ومن ثم نموذج لرفع المشاركات يتضمن المقطع الذي أنتجه المتسابق أو على الأقل رابط مشاركته على أحد المنصات.

مثال آخر كان صادمًا بالنسبة لي على المستوى الشخصي هو تنظيم مسابقة نصوص المونودراما -مسرح الممثل الواحد- والتابعة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما مهرجان الفجيرة الدولي للفنون Fiaf، في دورته الحادية عشرة، نُشرت شروط المسابقة على الموقع الرسمي، ومن خلاله كان يطلب من المتسابق تحميل استمارة المشاركة بصيغة PDF ليقوم بتعبئتها بنفسه وإعادة إرسالها مرفقة بصورة شخصية، صورة من جواز السفر، سيرة ذاتية، إقرار خطي، وبالطبع النص المسرحي وهو أساس المشاركة، وكان يطلب من المتسابق إرسال مشاركته عبر البريد الإلكتروني، لكن أين المشكلة؟

لم يكن أحد من المتسابقين يتلقى رسالة تأكيد تفيد باستلام مشاركته، قد يبدو الأمر طبيعيًا لكن إن نظرنا لحجم المهرجان وسمعته فسيبدو من غير المقبول أبدًا ألا يتلقى المشاركون ما يفيد باستلام مشاركاتهم، سؤال: “هل تم استلام مشاركتي؟” طرحه المتسابقون فيما بينهم وعلى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التابعة للمهرجان لكن دون رد، هل يعقل أن يتم التعامل مع متسابقين مشاركين في مسابقة أدبية تابعة لمهرجان عالمي على هذا النحو؟!

المشكلة الأكبر كانت في إعلان نتائج المسابقة، انتظر المشاركون لقرابة الخمسة أشهر حتى تم إغلاق باب استقبال الأعمال، وترقبوا بدء المهرجان في الفجيرة بدولة الإمارات العربية لقرابة الشهرين، لكن أخبار المهرجان لم تصل أبدًا للمشاركين عبر البريد الإلكتروني، لا المؤتمر الافتتاحي للمهرجان الذي عقد قبله بحوالي أسبوع أو أسبوعين، دليل المهرجان، موعد إعلان النتيجة، الخ، لا يوجد أسهل في عالم التسويق الرقمي من إعداد قائمة على نحو تلقائي تضم المتسابقين وموافاتهم بنشرة بريدية لإعلامهم بكل ما يتعلق بالمسابقة! لكن للأسف لم يقتصر الأمر على ذلك.

صدر دليل المهرجان ونُشر على موقع المهرجان وحساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن لم يتضمن الدليل أي إشارة تفيد بموعد إعلان نتيجة مسابقة النصوص وكأنها تحصيل حاصل، مجرد مسابقة لا قيمة لها للأسف، وبالطبع لم يرُد أحد على استفسارات المشاركين على حسابات المهرجان بهذا الخصوص، مما فتح الباب للتخمين والاجتهاد، وكان التخمين الأقرب للحقيقة هو “حفل الختام”.

في يوم “حفل الختام” وتوقيته تابعتُ بنفسي البث الحي للمهرجان من خلال الموقع الرسمي له – هل كان من الصعب مراسلة المتسابقين وتزوديهم برابط البث الحي ولفت إنتباههم إليه؟! لا أعرف سبب تجاهل ذلك للأسف – على كل حال تابعت البث، وتم إعلان أسماء الفائزين في مسابقة المسرح المدرسي: أفضل ممثل، أفضل إخراج، أفضل تأليف، وأفضل عرض متكامل، ومن ثم تم الإعلان عن الفائزين في مسابقة نصوص المونودراما: فائز ثالث – مناصفة بين عملين – فائز ثانٍ وفائز أول، وتلاها الفائزين في مسابقة العروض، حين مشاهدتي للحظات عرض نتيجة مسابقة النصوص أصبت بإحباط لا حدود له، لا يتعلق الأمر بالفوز من عدمه؛ ولكن العجلة في إعلان النتيجة، عدم إلقاء لجنة التحكيم أي تعليق على النصوص التي وردتها، عدم ذكر عناوين النصوص التي تم اختيارها للقائمة الطويلة والتي ستنشر في كتاب، عدم التعليق على كثافة المشاركات التي وصلت لخمس أضعاف مشاركات الدورة العاشرة – هذه المعلومة لم تنشر صراحًا ولكن الذكاء الصناعي استطاع الوصول لأخبار سابقة ورد فيها عدد مشاركات الدورة العاشرة، وبمقارنتها بما ذكر في أحد مقاطع الفيديو لأحد المسؤولين عن الدورة الحادية عشرة وصلت لهذا الاستنتاج – ، وعدم توجيه أي كلمة شكر للمشاركين ممن لم يحالفهم الحظ أو تمني حظ أفضل لهم في الدورة القادمة، لقد كان كل ذلك محبطًا بأكثر من عدم الفوز الذي توقعناه جميعًا كمشاركين في مسابقة تطلبت المشاركة فيها الكثير من الجهد والدراسة والمراجعة.

الأسوأ من ذلك، يهتم مهرجان الفجيرة بالمونودراما وتعريف الجمهور بها، وتطويرها، وبناء المواهب فيها سواء من حيث الكتابة أو التمثيل، مع ذلك لم تعن إدارة المهرجان بتقديم شيء مفيد لمن لم يحالفه الحظ في هذه الدورة، لا كتاب متخصص في هذا الفن يرسل مجانًا للمشاركين لزيادة المعرفة وصقل المهارات، أو ندوة خاصة لهم عبر الإنترنت، ولا نسخة مجانية من الكتاب الذي من المفترض أن ينشر ويضم عشرة أعمال متميزة كوسيلة لتعريف المتسابقين بالمستوى الذي تطمح إليه إدارة المهرجان، وعلى أقل تقدير لم يتسلم المتسابقون رسالة بريد إلكتروني تتمنى لهم حظ أوفر في الدورة التالية وتحاول الاحتفاظ بهم وتشجيعهم على تنمية مهاراتهم وتضمن مثابرتهم.

في المقابل لم تنشر أسماء الفائزين على منصات وسائل التواصل الاجتماعي حتى بعد إعلانها بأيام، لقد اكتفت إدارة المهرجان بالتواصل المباشر معهم وضمان حضورهم أو من ينوب عنهم كما ظهر جليًا في الحفل، أما بقية المتسابقين والجمهور العام فلا يوجد من يعنى بهم لا من قريب ولا من بعيد، ولولا البث الحي الذي لا يتم الترويج له من الأساس لما عرفتُ النتيجة، وأعتقد اعتقادًا جازمًا أن هذا هو حال الأغلبية، وأعرف متسابقين كانت تصلهم الأخبار نتيجة بحثي الحثيث عنها للأسف.

لذا أقولها بكل صدق وقوة وصراحة، أقولها باسمي وباسم كل الفنانين والأدباء والكتاب، وكل من خُذل في هذا النوع من المسابقات، وكان ضحية لسوء تنظيمها وقصورها، أقول بأننا نحترم أنفسنا وأعمالنا، نحترم أقلامنا وأفكارنا ومواهبنا، نرى أعمالنا أكبر من تلك المسابقات، ونرى الجوائز على اختلافها رمزية لا تعبر عن أعمالنا وما بذلناه فيها من فكر وعاطفة وجهد ووقت، نحن نشارك لنتعلم ونتطور ونقدَّر، لا لكي نحصد جوائز وأموال، نحن نحبط مع كل مسابقة تتلاعب بنا وبأعمالنا، سعادتنا في لحظة الخسارة يوم إعلان النتيجة تنبع من سعادتنا بالمشاركة، شجاعة تقديم ما لدينا، وتحرر أعمالنا من قيد لجنة التحكيم، إن الخسارة تطيل ريش أعمالنا فنتمكن من إطلاقها في الفضاء الرقمي لتحلق كما تشاء، ويقرأها جمهور أوسع من لجنة التحكيم، لا بأس لدينا في أن تعرض أعمالنا مجانًا، هدفنا ليس الربح المادي، فنحن فنانون وأدباء ولسنا تجارًا!

قيم هذا المقال

0 / 5. 0

كن أول من يقيم هذا المقال

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.