صاحب الظل الطويل – ما بين الرواية والأنيمي (مراجعة)

صاحب الظل الطويل – ما بين الرواية والأنيمي (مراجعة)

0
(0)

صاحب الظل الطويل أو Daddy Long Legs الأنيمي والرواية، هما عملان دراميان يمكن وصفهما بالتوأمان، صدرت رواية  Daddy Long Legs أولًا في مطلع القرن العشرين للكاتبة الأمريكية جين ويستر، ثم كتب السيد نوبويوكي فوجيموتا سيناريو العمل مجددًا في تسعينات القرن العشرين لينتَج كأنيمي ياباني من خلال شزكة نيبون أنيماشن وهي ذاتها الشركة التي أنتجت مسلسل عهد الأصدقاء بعد ذلك بثلاث سنوات.

وعلى الرغم من أن مسلسل الأنيمي مُقتبس من الرواية التي سبقته بأكثر من سبعين عامًا إلا أن كاتب السيناريو استطاع أن يُبدع عملًا مكملًا للرواية وليس مُستنسخًا منها، حتى أنه يصعُب القول أي العملين أجمل من الآخر.

تعتبر رواية “صاحب الظل الطويل” كما تم تعريبها هي الجزء الأول من ثنائية ضمت كذلك رواية “عدوي اللدود”، تم طرح الروايتين في قالب الرسائل، وفي حين وُفِّقت جين ويستر في الرواية الأولى إلا أن استخدام القالب ذاته دون تطوير قد آذى الرواية الثانية.

القالب الفني لرواية صاحب الظل الطويل

اختيار الرسائل كقالب فني لرواية صاحب الظل الطويل استطاع أن يدمج القارئ بشكل كبير في بطلة الروية، كما استطاع أن ينقل وبقوة شعور الوحدة القاتل والحديث من طرف واحد، وعزز الشعور بالمجهول والضياع، فجودي التي تكتب وتكتب مرارًا دون رد كانت تعاني من اضطرابات نفسية شديدة جراء هذه التجربة المؤلمة، وآلام جودي استطاعت أن تصل للقارئ الذي شاركها تجربة التحدث في الفراغ، التحدث بلا انقطاع دون رد أو حتى صدى باستثناء تلك الإشارة الخفية التي وردت في إحدى الرسائل والتي عبر فيها الطرف الثاني عن وجوده بفعل بسيط حين استجاب لحادثة روتها جودي إليه في إحدى رسائلها.

في المقابل لم يأتِ هذا القالب موفقًا في رواية عدوي اللدود، فحين تكتب سالي مرارًا لجودي ومكراي وغيرهم ولا تحصل على أي رد يبدو أن الأمر غريبًا وغير مُستساغ أو مُبرر دراميًا، ربما لو طورت الكاتبة هذا القالب ليحمل رسائل متبادلة من عدة أطراف لكان بإمكانها تقديم تجربة أكثر إمتاعًا وتشويقًا.

كذلك حملت رسائل جودي الكثير من الإشارات الإبداعية للزمن وسرعة الأحداث أو تباطؤها، وعبرت رسومات جودي عن جانب من شخصيتها البسيطة والتي تحاول بها تبسيط الحياة المعقدة والمتشابكة من حولها بطريقة سلسلة ومرحة، نفس الرسوم استُخدمت في رسائل سالي ماكبرايد وأيضًا بدون مبرر درامي.

موضوع رواية صاحب الظل الطويل

تناقش رواية صاحب الظل الطويل عدة مشكلات في وقت واحد وبطريقة متشابكة، يمكن وضع قائمة مختصرة للموضوعات الجدلية بالرواية على النحو التالي:

  1. دمج الأيتام في المجتمع.
  2. أساليب تربية الأيتام في الملاجئ والمياتم.
  3. الإحسان بين الواجب والأخلاق.
  4. الآثار النفسية لليُتم والشعور بالوصم الاجتماعي.
  5. اليُتم والحرمان العاطفي والأسري.
  6. الإصرار لبلوغ الحلم وتجاوز العقبات.
  7. الثراء والقولبة.

تبدو المشكلة الأساسية في الرواية هي كيفية ومراحل تحول جيروشا أبوت من فتاة لقيطة نشأت في ميتم جون غرير لطالبة جامعية قوية ومستقلة وصاحبة قرار، حدث هذا النحول من خلال قرار اتخذه وصي ثري بحقها، حيث جذبه مقال ساخر لها حول ميتم جون غرير والأوصياء المعنين به بعنوان “الأربعاء الكئيب”، أُعجب الوصي الغريب الأطوار بالمقال ورآى أن جيروشا مشروع كاتبة وتعهد بتعليمها لتغدو كذلك، اشترط الوصي أن يبقى مجهولًا بالنسبة لجيروشا وألا تعرفه سوى باسم مُستعار هو جون سميث، كما اشترط أن تكتب له رسالة كل شهر  تروي له فيها ما يُستجد معها، برر الوصي شرطه الأخير بأن جيروشا لا تملك عائلة تراسلها وبأنه يعتقد بأن كتابة الرسائل قادرة على تطوير موهبتها.

لم يكن أمام جيروشا خيار قبول قرار السيد جون سميث وشروطه أو رفضها، فقد كان مستقبلها مهددًا نظرًا لعمرها، وكان عليها في حال لم يقرر الوصي ذلك أن تخرج للمجتمع لأول مرة وتواجه قسوته وحيدة لكسب رزقها، لم ترحم السيد ليبيت مديرة ميتم جون غرير الشابة جيروشا، وأعلمتها بشأن قرار الوصي ومنحته الدراسة بطريقة مُذلة حتى أنها أسمت رسائل جيروشا للسيد جون سميث برسائل الامتنان، وأخبرت جيروشا أن تكتب الرسائل بانتظام وكأنها تسدد فواتير دراستها وألا تنتظر ردًا من الوصي، أخبرتها كذلك بأن السيد جون سميث لن يقرأ رسائلها أساسًا وأنه غير مُكترث بما ستكتبه فيها.

بهذه المشاعر المتضاربة والمجروحة والمبهمة خرجت جيروشا للعالم الخارجي لتكتشف أشياء لم تكن تتخيل وجودها، بدأت جيروشا ثورتها تدريجيًا من خلال اختيار اسم جديد لنفسها هو جودي، تبينت مساوئ تنشئتها في الميتم والتي جعلتها مختلفة عن الأخريات حتى في ذكريات الطفولة، ورغم أنها كانت في الكلية إلا أنها شعرت بالجهل وأخذت تقرأ القصص والروايات التي وجدت نفسها جاهلة بها تمامًا في حين قرأتها زميلاتها في طفولتهن ومراهقتهن، تعرفت على الطعام والشراب والملابس والأثاث من منظور مختلف، وجربت امتلاك النقود واتخاذ قرار الشراء من عدمه، وخاضت صراعات نفسية لكبح الكثير من رغباتها في الحياة، حتى أنها لامت نفسها حين تمنت امتلاك جوارب حريرية شفافة كالتي تمتلكها زميلتها في السكن جوليا بندلتون سليلة آل بندلتون فاحشي الثراء.

تطورت جودي شيئًا فشيًا وجربت الحب ووقعت في غرام السيد جيرفس بندلتون العم الأصغر لجولياً كما كانت مطمح جيمي ماكبرايد شقيق سالي التي شاركتها السكن كذلك، وبدأت جودي تكتشف ملامح الأنوثة لأول مرة، رأت بأنها جميلة، اكتشفت غمازة في وجهها لأول مرة وكأن جودي لم تكن تعرف الابتسام من قبل أمام المرآة، سعدت عندما زاد وزنها في إشارة مؤلمة لكونها كانت تعاني من النحافة المفرطة جراء سوء التغذية في الميتم.

تعرفت جودي على الرجال لأول مرة، فخبراتها السابقة لم تكن تتجاوز رؤية الأوصياء من الرجال والذين كانوا بالنسبة لها بغيضين وكريهين لدرجة غير محتملة، وكانوا في غالبيتهم إن لم يكن جميعهم كبارًا بالسن ذو رؤوس صلعاء أو شعر أشيب، يعانون من السمنة، ويزورون الميتم في أوقات محددة للقيام بدورهم برتابة ودون عاطفة، وبالطبع عاملت جودي السيد سميث الذي لم ترَ منه سوى ظله على هذا الأساس، تصورته مسنًا أصلعًا وكارهًا للفتيات، كما لم تَرْتَبْ في كونه قد يشرب الكحوليات أو أنه رجل خامل ولا يعرف كيف يستمتع بالحياة، لكن في حياتها الجديدة تسلمت جودي الهدايا من رجال ليسوا أوصياء عليها، أرسل لها جيرفس الحلوى مرارًا، جلب لها الورود، دعاها لحضور مسرحية هاملت التي أحبتها وعلقت بها، كما فعل جيمي أشياء مماثلة، تبادلت الرسائل مع جيرفس وعاشت معه لحظات حب ورومانسية جديدة عليها، تلقت أيضًا من الوصي المسن كما كانت تظن الكثير من الهدايا، ورغم أنه لم يكن يجيب على رسائلها إلا أنها تلقت إشارة منه لكونه يقرأ ما ترسله إليه.

شيئًا فشيئًا ارتبطت جودي بالوصي حتى أن رسائلها إليه كانت غزيرة، وكانت تتقلب نبراتها بين الرضا والسخط، الاستسلام والثورة، اللوم والاعتذار، ووصلت لإرسال هدية له في عيد الميلاد في سنتها الرابعة فأجابها بسبع عشرة هدية دفعة واحدة، استمرت علاقة جودي بالسيد سميث حتى بعد تخرجها، استمرت بمراسلته دون أن تكون مُلزمة بذلك، حتى جاءت اللحظة الحاسمة والتي أكدت مشاعرها تجاهه، فطالما أحبت جودي السيد سميث ورأته عائلتها والشخص الوحيد الذي يهتم بها، حتى أنها عبرت له عن اشتياقها لوجود جدة أو عم بحياتها ونادته بجدتي وعمي في بعض رسائلها في إشارة مؤلمة لعمق الحرمان العاطفي في حياة جودي أبوت.

كشفت نهاية القصة النقاب عن السيد جون سميث والذي كان وصيًا على غير العادة، كان شابًا لا مسنًا، وسيمًا لا أصلعًا، مرحًا ومحبًا للحياة وغريب الأطوار نوعًا لا خمولًا كما تصورت جودي، والأهم أنه لم يكن يكتفي بقراءة رسائل جودي فقط، بل إنه كان يعيش معها ويلتقيها ويهاديها ويبادلها الحب، وكان قريبًا بأكثر مما تتصور، فالسيد جيرفس بندلتون الذي أحبته جودي وعرض عليها الزواج منه ورفضت عرضه خوفًا من ماضيها المشين بنظرها كان هو ذاته الشخص الذي لجأت إليه في محنتها وصارحته بحبها لجيرفس وخوفها من قبول عرضه، لقد كان جون سميث هو جيرفس بندلتون.

استعرضت القصة كذلك كيف تغير توجه جودي نحو ميتم جون غرير وكيف أعادت فهم حياتها، كما استعرضت توجه جودي الإصلاحي واهتمامها بالعمل الخيري وتفكيرها في إدارة ميتم بطريقة عادلة ومحبة، واستعرضت تطور جودي الفكري والأدبي وتوجها صوب الاستقلالية.

من المثير بالقصة أن جيرفس الذي كان قريبًا جدًا من جودي والذي ظهرت الإشارات العديدة التي تشير لكونه هو نفسه السيد سميث – كان هو أبعد شخص تفكر جودي بأنه قد يكون الوصي عليها، وعلى الرغم من سهولة اكتشاف القارئ وشكُّه في هذه الحقيقة منذ وقت مبكر جدًا إلا أن جودي ظلت غافلة عنها طويلًا، يحمل ذلك إشارة هامة لما يمكن أن تتسبب به الخبرات السابقة والتي قد تسجن المرء وتحد من ملاحظته لما حوله، فجودي افترضت بأن السيد سميث مسن وعاملته على هذا الأساس، وبالتالي كان جيرفس أبعد ما يكون إليه بنظرها رغم الملابسات الكثيرة التي أشارت لكون جيرفس هو صاحب الظل الطويل، وليس أوضح من حادثة مزرعة لوك ويلو، رفْض جون سميث تقرب جيمي من جودي، سعيه لتعليمها ما كان سيعلمها إياه جيمي لإرضائها وإسعادها، دعوته لها لحضور مسرحية هاملت التي كتبت له عن شغفها بها، حضوره المفاجئ للكلية وفشله في الالتقاء بها لأنها خرجت في نزهة مع سالي ووالدتها دون إخبار الوصي عليها، موافقته على سفرها لنيويورك وتلبية دعوة أسرة بندلتون رغم تمني جودي لاستخدامه حق الوصاية عليها ورفضه لتلبيتها لهذه الدعوة، لحاقه بها في لوك ويلو، عتابه لها على رفضها عرض الوصي بالسفر لأوروبا وإخبارها بأنه ذاهب إلى هناك، مراوغته لها حين حاولت التهرب من رؤيته وكأنه يعلم مسبقًا بخطتها، تزامن مرض الوصي وجيرفس والكثير.

أيضًا أبرزت القصة المعنى الحقيقي للوصاية وأنه ليس مجرد مخصصات مالية فقط أو متابعة روتينية لتقارير الأداء؛ فالسيد سميث كان يقوم بدوره كوصي بشكل رائع، يسمع، يتفاعل، يرى بعينه، يقيم، يحمي، يمنح الحب والسعادة، ولم يحاول إخفاء نفسه وحقيقته عن جودي لولا فشلها هي في التقاط الإشارات من حولها، كما بدا أنه متسامح ومتفهم لمعاناتها النفسية وانقلابها عليه في رسائلها، وحتى في رفضها الزواج منه لم يكرهها السيد سميث أو يحاول الابتعاد عنها؛ بل حدث عكس ذلك تمامًا، فقد أجاب رسالتها الأولى إليه يعلمها بمرضه ويعتذر لها، ثم قرأ رسالتها التي تحوي تفاصيل استشارتها له ومنحها الأمان كون الرسالة لن تقع بيدي أمين سره، ثم دعاها لرؤيته رغم مرضه.

كما أثارت الرواية جدلية الزواج وما إذا كان من الممكن أن ينصهر اثنان بظروف جودي وجيرفس معًا؟ أصول مختلفة، أنساب متفاوتة، حالة مادية غير متكافئة وحب كبير، أجابت رواية “عدوي اللدود” على هذه التساؤلات وأظهرت جودي وجيرفس كثنائي رائع يمكن أن يفتح شهية أي شخص على الزواج وتكوين أسرة كما صرحت سالي ماكبرايد.

ماذا أضاف أنيمي صاحب الظل الطويل للقصة؟

جودي أبوت في أنيمي صاحب الظل الطويل

احتفظ الأنيمي بالخطوط العريضة للقصة لكنه اختار لجودي عمرًا أصغر، فلم تكن في الكلية وإنما في الثانوية، وبالتالي دارت الأحداث في ثلاث سنوات بدلًا من أربعة، كما استبعد الأنيمي اسم جيروشا وبدأت القصة بجودي أبوت مباشرة، ومع ذلك احتفظ بالجواب المؤلم لمشرفة الدار السيدة ليزا – أو ليبيت كما في الرواية – حين أخبرت جودي بأنها أختارت اسمها من شاهد قبر، كانت هذه التفصيلة ذات معنى رهيب ومؤلم، فمشرفة الدار التي تُسمِّي طفلة رضيعة تستقبل الحياة قد اختارت لها اسمًا من سجل الموتى، وكأن هذا الطفلة اللقيطة بلا ذنب قد حُكم عليها بالموت من قبل أن تحيا.

كما ناقش الأنيمي بقوة شعور جودي بالعار وخوفها من افتضاح سرها في المدرسة الراقية التي تحولت إليها، وأظهر التناقض الحاد الذي تعايشه جودي والتي تبدو لطيفة واجتماعية ومرحة بين الناس وبين جودي التي لا تنفك تعاني الوحدة والخوف والتجاهل وحيدة في غرفتها، رُسمت جودي بتصفيفة شعر مثيرة للدهشة وذات رمزية واضحة على تشتتها وضياعها، فضفيرتي جودي اللتان تشيران لجهتين مختلفتين تقع رأس جودي بينهما كانت التعبير المرئي لنفسية الفتاة الممزقة.

كما عالج الأنيمي احتكاك جودي بجوليا بندلتون بشكل رائع وأكثر عمقًا من الرواية، احتفظ بقصة الجوارب الحريرية وأضاف إليها الكثير من الحبكات كقصة والدة جوليا وإحراجها لجودي نيابة عن جوليا نفسها في القصة.

استفاد الأنيمي أيضًا من رواية عدوي اللدود ليثير قضية الإحسان بشكل أقوى من الرواية، حيث كانت جودي تكره المحسنين، وترى في إحسانهم وشفقتهم ما يجرح الأيتام والفقراء، وكانت تراهم يفعلون ذلك تجمُّلًا أو تفضُّلًا أو أداء لواجب اجتماعي لا أكثر، كانت تفترض أن المحسنين ينسون كل شيء عن الأيتام فور انصرافهم من الميتم، عبرت الرواية عن ذلك أيضًا وأبرزت استياء جودي من القس الذي تحدث عن الفقراء باعتبارهم بابًا مفتوحًا دائمًا وأبدًا للتطهر من خلال الإحسان، وفي حين كان القس يعني شيئًا نبيلًا فقد رأت جودي في كلامه إهانة للفقراء وكأنهم مجرد حيوانات أليفة، في الأنيمي تم تعميق هذا الشعور بقوة من خلال حبكة دعوة الأيتام للحفل والتي اقترحتها سالي، وأضيف إليها الحوار القوي بين الفتيات الثلاثة حول ما الذي يمكن أن يقدمنه للأيتام، وفي حين ثارت جودي واصفة صديقاتها بأنهن يشفقن على الأيتام فقد لمنها هن على شعورها القاسي ورفضها التبرع أو المساعدة.

الأجمل هو ما أظهره الأنيمي من فرق واضح بين التفكير الأفلاطوني والخيالي وبين الواقع، حدث ذلك حين صُدمت سالي من نفسها وقت زيارتها لدار الأيتام، حيث ذهبت بأفكار نبيلة فعلًا لكنها عادت تبكي بعد إدراكها لوجود جانب أسود ومظلم في الحياة لم تكن تعرفه على حقيقته، حتى أنها خافت من الأطفال هناك ولم تجرؤ حتى على لمسهم، استُلهمت هذه الحبكة من رواية عدوي اللدود حين صارت جودي مالكة لجون غرير وعينت سالي مشرفة فيه، وفي حين لم تظهر شخصية سالي بقوة في رواية صاحب الظل الطويل إلا أن سيناريست الأنيمي استطاع التعرف عليها من خلال عدوي اللدود ووفق في ذلك.

قصة بحث جودي عن الأصل جاءت أجمل في الأنيمي حين ظهرت في ذكرياتها تسأل مشرفة الدار عن كيفية عثورها عليها، ثم زيارتها للحي الذي وُجدَت فيه وهناك عرفت أو خمنت أنها من أسرة فقيرة نظرًا لكونه حيًا معروفًا بحي الفقراء، يأتي ذلك على عكس ما كتبته في رسائلها لجون سميث تتساءل عن أصلها وتخبره بأن جهلها بهذا المصدر لا يعني بالضرورة أنها من أصل سيء، بل إنها قدرت مازحة أنها ربما تنتمي لأصول غجرية بسبب روحها الهائمة.

في زيارتها لحي الفقراء التقت جودي بممثلة أعجبت بها من قبل وعرفت أن هذه السيدة تنتمي لهذا الحي ولا تخجل من ذلك، كانت تلك نقطة تحول هامة في شخصية جودي في الأنيمي، من بعدها زارت جودي دار الأيتام مجددًا وبدأت تصارع شعورها الداخلي بالاستياء من الإحسان وتتبنى فكرًا جديدًا، هذه الحبكة الأخيرة استلهمت من عدوي اللدود كذلك حين صارت جودي السيدة بندلتون والعمة جودي في الوقت ذاته، وصارت مسؤولة عما يقرب من مائة يتيم في جون غرير تغدق عليهم من حبها وإحسانها لا بدافع الشفقة وإنما الحب والإيمان باستحقاق هؤلاء الأطفال لحياة كريمة، في نفس الوقت كانت جودي تعيش حياتها مع زوجها وابنتها وتسافر وتتنزه وتستمتع بجانب القيام بهذا الواجب، وصارت تعيش كالأوصياء الذين كرهتهم في الماضي مدركة أن هؤلاء لم يكونوا سيئين للحد الذي تصورته، ووصلت أخيرًا لحقيقة أن الأغنياء ليسوا سيئين دائمًا وأن المال الذي يملكونه يمكن فعلًا أن يغير حياة غيرهم، وأن هذا التغيير ليس تفضلًا فقط كما كانت تظن فيما مضى.

كذلك اختتم الأنيمي بمشهد قوي غاب عن الرواية حين وقفت جودي في حفل التخرج تعترف بماضيها وأصلها المجهول أمام الكل وقد توصلت لحقيقة أن وحودها في هذا العالم وأيًا كانت صورته ليس اختيارها لتُحاسب عليه، وانما ما هي عليه اليوم وما ستكونه غدًا هو ما ستُسأل عنه وعليها أن تُحسن التفكير فيه، كانت كلمة جودي رائعة في هذا المشهد واستطاعت أن تفسد مخططات والدة جوليا التي بدأت تبتزها بسرها الذي كشفته، وتمكنت الفتاة اللقيطة مجهولة النسب والفقيرة من أن تتغلب على سيدة المجتمع الراقي الثرية بالشجاعة والاعتداد بالنفس.

كما ناقش الأنيمي مشوار جودي الأدبي بطريقة جميلة، صور تعثرها وإحباطها ودعم أصدقائها لها وحتى جيرفس نفسه، على عكس الرواية التي ركزت على تطور فكر جودي والمدرسة الأدبية التي تتبعها فقد ركز الأنيمي على ما يحدث مع جودي على أرض الواقع وكأنه يكمل ما جاء في الرواية.

قالب الرسائل حول الرواية إلى مونولوج باستثناء الفصل الأول الذي جاء بأسلوب سردي مباشر، وعلى الرغم من ذلك جاءت نهاية الرواية على هيئة رسالة لا سرد وهو برأيي ما جعل النهاية ضعيفة إلى حد كبير، الخطأ ذاته ارتكبه سيناريست الأنيمي لكنه بدا أقل تأثيرًا نظرًا لكون الأنيمي لا يعتمد على الرسائل المكتوبة فقط وإنما هو يصور الأحداث بطريقة أكثر حيوية، وهذا هو السبب الذي مكن سيناريست الأنيمي من ابتكار حبكات كثيرة للشخصيات المحيطة بجودي مثل سالي وجوليا ولينورا وغيرهم، بالطبع لم يكن من المنطقي أن تقص جودي كل هذه التفاصيل على السيد سميث في رسائلها في الرواية.

وفي حين تمحورت الرواية حول جودي فقد جاء الأنيمي ليطرر شخصيات أخرى بطريقة إبداعية كجوليا التي أحبت جيمي دون أن يبادلها هو الحب وفضل عليها جودي، لم يحقق ثراء جوليا رغباتها بل العكس، وقد أدى انتماؤها لأسرة ثرية لفرض نوع خاص من الحياة عليها حاولت أن تهرب منه تاركة كل شيء وراءها، ورغم ثراء جوليا ومكانتها الاجتماعية فقد كانت جودي هي من تدعمها وتخاف على شعورها، كما أظهر الأنيمي جانبًا نبيلًا في شخصية جوليا التي قاومت والدتها وبدا أنها تعرف بحقيقة جودي منذ وقت مبكر وترفض ابتزاز والدتها لها، ورغم علم جوليا فلم تتغير معاملتها مع جودي أو تنتقص منها.

من جهة ثانية أبرز الأنيمي الاختلاف بين سالي سليلة ماكبرايد وبين جودي من ميتم جون غرير في القدرة على التعامل في العلاقات العاطفية، وأظهر نقاط ضعف كثيرة في سالي كانت جودي هي من يكملها كخجل سالي وارتباكها، في المقابل تعلمت جودي من سالي الإصرار والمثابرة، وكانت سالي هي الصدر الحنون لجودي رغم أنهما بعمر واحد.

وبالطبع حافظ الأنيمي على الكثير جدًا من حبكات الرواية وتفاصيلها الصغيرة مما جعله لصيقًا بالرواية فعلًا.

في النهاية يمكن القول بأن الرواية بجزأيها والأنيمي كانا رائعين وعميقين إلى حد كبير، وكانا متكاملان لا متنافسان، حتى أنك تتوق للرواية بعد أن تنهي الأنيمي، وتزداد فضولًا للأنيمي حين قرأ الرواية.

صاحب الظل الطويل في سطور

جيروشا أبوت ذات السابعة عشرة من ميتم جون غرير تكتب مقالًا ساخرًا عن الميتم والأوصياء، فيُعجب وصي ثري بمقالها ويقرر إرسالها للكلية وتنشئتها ككاتبة، يشترط أن يبقى مجهولًا وأن تعرفه بجون سميث، وأن تكتب له رسالة شهريًا لتتحسن لغتها.

تخرج جيروشا للعالم وتكتشف تجارب جديدة: تركب قطارًا، تزور مرزعة، تؤثث غرفة، تمتلك ثيابًا جديدة

وتتلقى الهدايا والدعوات.

تكتب بانتظام للوصي وتلقبه بصاحب الظل الطويل، وتستاء من إخفائه لاسمه عنها، تخبره بأن كل ما تعرفه عنه هو ثراؤه وطوله وكرهه للفتيات.

تقرر تغيير اسمها لجودي، وتفاجأ بأنها مختلفة عن الأخريات وتجهل الكثير من الأشياء، فتحاول تعويض ما فاتها.

تثور على الوصي لعدم رده عليها ولكنه يرسل لها هدية في مرضها وبطاقة بخطه فتتأكد بأنه مهتم برسائلها. تتعرف على جيرفس بندلتون العم الشاب لرفيقتها، تتعلق به ويحاول هو إسعادها.

تتسع مداركها وتُكَوِّن آراء في الأدب والفلسفة والسياسة، وتؤمن بالإرادة الحرة، وتقرر أن تكون اشتراكية تيمنًا بجيرفس، تحصل على منحة من الكلية في سنتها الثالثة وتقبلها رغم رفض الوصي وتراها مكافأة لتفوقها وليس إحسانًا، تقرر العمل وسداد ديونها للوصي، وتتجه صوب الحرية والاستقلالية.

تخوض تجربة الكتابة، وتُنشر لها قصيدة في مجلة الكلية في سنتها الأولى، ثم قصة قصيرة في الثانية، ترفض دار النشر روايتها وتعيد المحاولة، تصبح مُحَرِّرَة في مجلة الكلية في سنتها الرابعة، وتقرر كتابة رواية واقعية عن الميتم وتثق بأن روايتها ستُنشر يومًا ما.

تبدأ بفهم تجربتها الشخصية على نحو واقعي وتميل للأفكار الإصلاحية وتفكر بكيفية إدارة ميتم بفلسفة أساسها الحب والخيال، وتتمكن من خلال السيد سميث أن تُحسِن لأسرة فقيرة مكافحة.

ترتبط بالوصي وتتبادل معه هدايا عيد الميلاد وتدعوه لحفل تخرجها وتراه عائلتها، ولكنه يكتفي بإرسال باقة ورد فتغضب، ومع ذلك تستمر بحبه والكتابة إليه.

تُباع روايتها عن الميتم أخيرًا وتبدأ بسداد ديونها للوصي، يعرض عليها جيرفس الزواج فتطلب رؤية السيد سميث ومشورته وتعرف بمرضه لكنه يرسل إليها لزيارته، فتفاجأ بأن صاحب الظل الطويل هو السيد جيرفس، وتصبح السيدة بندلتون.

نسمة السيد ممدوح

نهاية بديلة لرواية صاحب الظل الطويل

لم تكن الرسالة الأخيرة في قصة صاحب الظل الطويل مرضية لي، كما لم تنل رضا صديقة مبدعة كذلك، لهذا اتفقنا على أن تكتب الواحدة منا رسالة بقلمها الخاص يمكن أن تتخذ مكانها في نهاية هذا العمل الجميل، لهذا وبعد قراءة الرواية بدقة واستخلاص ما فيها على نهج علمي، وبينما أنا لازلت عالقة هناك قررت أن أكتب الرسالة بالفعل، وعزمت على عدم تنقيحها لتبقى مشحونة بالعاطفة التي خرجت بها لأول مرة:

عزيزي جيرفس،

قد تشعر بأن رسالتي غريبة عنك، وقد تجدها مختلفة عن كل رسائلي السابقة لك، لكن أرجو أن تلتمس لصغيرتك المضطربة العذر، فأنا أكتب اليوم لعزيزي جيرفس وللسيد جون سميث في نفس الوقت، أحاول الفصل بين ما كتبته إليك في الحالتين لكني أشعر بالكثير من التشويش، اعذرني للمرة الثانية لتكراري لهذا الكلام.

أنت تعلم الآن الكثير من الأشياء، بل تعلم كل شيء عني تقريبًا، لا أعرف إن كان استياؤك من جيمي حقيقيًا ومبررًا أم لا يا عزيزي، بوصفك صاحب الظل الطويل فأنت تعلم بالطبع أني لم أحب جيمي وإن كنت آنس به كصديق، لقد رغبت بتلبية دعوة سالي لكنك في كل مرة كنت تمنعني من ذلك، الآن أفهم السبب أيها المبجل جيرفي، لكني مستاءة من تصرفك هذا، أنا صريحة ولا أميل للكذب عليك.

هل أنا مضطرة لمناقشة عرض زواجنا مجددًا؟ لا أظن أني بحاجة لذلك فقد أرسلت لك من قبل أخبرك بأني أحمل لك حبًا كبيرًا وأني أفتقدك جدًا، كما أني أكدت لك بأنني لن أتزوج من جيمي، لازلت قلقة جيرفس، أرغب بسؤالك مجددًا إن كنت جادًا بزواجك من لقيطة مثل جيروشا أبوت أم لا؟ أرجوك فكر مليًا بالأمر، بإمكاني الاحتفاظ بك في فلبي دون أن أسبب لك المشاكل، أما إن كنت اشتراكيًا مخلصًا فأنت تعلم بأني صرت اشتراكية مثلك وأني على استعداد للمغامرة معك بتلك الزيجة والتي ستجعل من سليلة جون غرير سيدة جديدة في آل بتدلتون، أرجوك اعذر لي وقاحتي حول ما كتبته عن آل بندلتون، لا أصدق أنني قد أغدو قريبًا بندلتون كذلك! إن الفكرة مرعبة يا عزيزي.

أنا ممتنة لكل ما قدمته لي جيرفس بوصفك المبجل جيرفي وبوصفك صاحب الظل الطويل، لقد أسعدتني هداياك جدًا ورعايتك طوال تلك السنوات، لقد حررت جودي من السجن ومنحتها الفرصة لاكتشاف العالم، لقد تبين لي أن العالم مليء بالأشياء الجميلة جيرفي، هل تسمح لي بمناداتك جيرفي ذو الظل الطويل؟!

أشكرك جيرفي على رعايتك وحنانك وقراءتك الأمينة لرسائلي، لقد تبين لي أنك كنت تعمل وسعك لإسعادي، وأنك كنت تتحمل الكثير من حماقاتي، هل ذكرت لك قبلًا بأن الرجال لا يحسنون المراوغة؟ يا إلهي! لقد كنت أنا من لا يحسن ذلك، أخبرتك بأنني سأتغيب عن لوك ويلو حتى لا تجدني، وعرفت من جوليا أنك تعرف بذلك رغم أني الوحيد الذي لم يكن يعرف شيئًا، لقد بدأت أبعثر الجمل وأخلطها!

أحبك جيرفس ولا أعرف كيف أقولها بطريقة أكثر رومانسية لكن أرجو أن تفهم مدى صدق شعوري بها، لقد كنت عائلتي في هذا العالم والشخص الوحيد الذي أنتمي إليه، أحب أن أصير السيدة بندلتون إن كان لا يزال عرضك قائمًا.

محبتك جودي أبوت

قيم هذا المقال

0 / 5. 0

كن أول من يقيم هذا المقال

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.