الواقعية في معالجة قصص الحب في الدراما

الواقعية في معالجة قصص الحب في الدراما

0
(0)

‏النهاية السعيدة لا توجد فقط إلا على شاشات السينما” هذه الجملة صادقة جدًا، فالأفلام والمسلسلات التي تنتهي بنهاية سلبية لا ترضي المشاهدين وتبدو غريبة وصادمة إلى حد كبير ، وكذلك الحال في الروايات، وعلى الرغم من ذلك فإن النهايات غير السعيدة تجعل الأعمال الفنية قادرة على العيش لسنوات طويلة، وتجعلها أصدق في التعبير عن الواقع الذي نعيشه.

‏في الحياة الحقيقية أو الواقعية لا تنتهي كل قصص الحب باجتماع الحبيبين معًا، ومع ذلك تظل تلك القصص ذات النهايات السلبية قصصًا للحب لا يمكن إنكار وجودها، بل إن الكثير منها ينطوي على صراعات قوية وتضحيات ضخمة وآلام عميقة.

في الحياة الحقيقية كذلك أحباؤنا قد يموتون، والأصدقاء قد يرحلون، والحرب قد تستمر لسنين طويلة، والمظلوم قد لا يستعيد حقه، والسجن قد يضم الآلاف من الأبرياء، وكثيرًا ما لا نعود إلى نقطة البداية التي كنا عليها قبل خوض الصراعات والمشكلات والتغيرات الجذرية التي تطرأ على حياتنا، هذه هي الحياة حقًا وليس وجهها الباسم الذي نريده أن يسلينا لبعض الوقت.

‏تستطيع الأفلام والقصص التي تنتهي بنهاية سعيدة أن تحقق أرباحًا كبيرة في وقت قصير، وتستطيع أن تمتعنا وأن تطيب خواطرنا، وتكون مثل المسكنات التي نحتاج إليها من وقت لآخر لنكمل مشوارنا، لكن هذه القصص تسقط سريعًا من ذاكرتنا، وإن حالفها الحظ فسنذكرها لسبعة أيام فقط، سيكون عمرها قصيرًا كعمر قرص الأسبيرين، لكنها لن تثري عقولنا، ولن تحرك مشاعرنا، ولن تلمس عمقنا الحقيقي، لن نذكر شخصياتها، لن نتوحد حقًا معهم، لن نحاول تقمص مواقفهم، لن نذكرهم كتجارب فكرية مررنا بها، ولن نتعلم منهم، ولن تثير تساؤلاتنا وتطور منا.

الحب – وهو الحبكة الأشهر – على شاشات السينما لا يشبه كثيرًا ما نعايشه في حياتنا، وخاصة ذلك الحب الخيالي الذي ينتهي بنهاية سعيدة، تحل فيها العقد الدرامية بطريقة أسطورية، ذلك الذي ينتهي بنهاية تحاكي الطفل بداخلنا: “وعاشوا في تبات ونبات، وخلفوا صبيان وبنات، وتوتة توتة خلصت الحدوتة” هذه حقًا مجرد حدوتة تساعدنا على نسيان هموم الحياة والنوم بسلام! أما الروائع التي تجعلنا نفكر في معنى الحب وقيمته وصوره والتعبير عنه فتختلف كثيرًا عن هذه التيمة، فيها يكون الصراع قويًا والعقبات حقيقية لدرجة أن تجد نفسك كنت أو لا زلت مكان البطل أو البطلة، تتساءل عما كان يجب أن تفعله لو عاد بك الزمن، أو تستلهم حلًا لمشكلتك البوم، الحب في الروائع لا يأتي أفلاطونيًا ولا رومانسيًا صرفًا، بل واقعيًا مندمجًا في الحياة ولا يحيا في عالم موازٍ، أبطاله أحياء لهم أسرة وأصدقاء والتزامات وواجبات ومشكلات وطموحات ومخاوف، لهم ماضٍ وحاضر ومستقبل، أبطال يشبهوننا في حياتنا اليومية، يضحكون ويبكون، يتألمون وينعمون، يمرضون ويصحون، لهم نقاط قوة ونقاط ضعف، قد يكمل أحدهما الآخر وقد يزيد من أعبائه، قد يحسنون التعبير عن مشاعرهم وينعمون بها أو يسقطون في فخ الخوف والتردد، ينجحون ويخفقون، قد يجتمعون أو يفترقون، قد يأتي القرار منهما معًا أو من أحدهما أو من ظروف خارجية، لكننا نجد في عذابهما وفراقهما ما يوقد مشاعرنا ويشغل بالنا، نتمنى لهما نهاية أفضل ونعلم في قرارة أنفسنا أن هذه النهاية التي انتهيا إليها هي الصواب ولو كانت مرة، لهذا تبقى ذكراهما حية على مدار السنين.

الأعمال الفنية كثيرة جدًا وقليل منها ما يملك في ذاته القدرة على البقاء والصمود لعشرات أو مئات السنين، الأفكار تتكرر للأسف، والبشر متشابهون وتبقى المعالجة الجيدة والتعبير الإبداعي والرؤية الصادقة هي الفيصل.

قيم هذا المقال

0 / 5. 0

كن أول من يقيم هذا المقال

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.