العالقون في الألم

العالقون في الألم

” وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها” صدق الله العظيم، أين تكمن المشكلة؟ تكمن في كيفية عد تلك النعم على كثرتها، وعلى تبينها أساسًا.

في أغلب الأحيان نحن نتبين النعم الكبيرة فقط، تلك الساطعة كالشمس، ننظر مثلًا لمن ابتلي بالشلل فنقول المشي نعمة، ننظر لفقير معدم فنقول الستر نعمة، هي فعلًا نعم، لكن النعم الأكثر والأعظم والتي يمكن أن تغرقنا في تفكير طويل لا نتبينها من تلك النماذج الصارخة، إنها تكمن في نماذج طبيعية جدًا في أناس حولنا، ظاهرهم مرضي وطبيعي ومقبول، وباطنهم صراعات وعجز ونقاط ضعف وأوجاع ونقائص، حين نقترب من تلك النماذج نعرف يقينًا أننا منعمون لدرجة غير متوقعة.

القدرة على التفكير نعمة، حرية اتخاذ القرار نعمة، وجود هدف بحياتك نعمة، الحلم نعمة، القدرة على التبسم نعمة، وجود سبب لتبسمك نعمة، قدرتك على التعبير نعمة، قدرتك على ضبط أعصابك نعمة، سيرك بدون مساعدة أحدهم نعمة، سيرك بدون عصا أو استناد لجدار نعمة، شعورك بالأمان نعمة، قدرتك على النوم نعمة، إمكانية أن تنام لأي عدد من الساعات دون أن تدفع فاتورة ذلك عند استيقاظك على هيئة آلام أو ضبابية أو تشويش في الرؤية نعمة، عدم اضطرارك لحمل أدويتك البسيطة في كل مكان نعمة، رؤيتك للقمر نعمة، سماعك لتغريد عصفور نعمة، أبوتك نعمة، أمومتك نعمة، بنوتك نعمة، تيسير أمر ما بحياتك نعمة، وجود صديق يحبك نعمة، كسبك لثقة أحدهم نعمة، كلمة التقدير نعمة، رشفة الماء نعمة، اشتهاء طعام والقدرة على تناوله نعمة، والحصول عليه نعمة، وهكذا تطول القائمة ولا تنتهي.

الحمد لله دائمًا وأبدًا، تعلم ممن هم عالقون في الألم، تعلم ممن هم في وسط الأزمة، أولئك الضائعون في المنطقة الرمادية، فالصحيح يعيش والعاجز يعيش ولكل منهما وسائله الواضحة في الحياة، أما العالقون فهم بين بين، يملكون ولا يملكون، يقدرون ولا يقدرون، كل الوسائل لا تناسبهم، يعيشون بالتكيف الدائم، ويصارعون لأجله، يجاهدون ليلحقوا بالأصحاء نفسيًا، صحيًا، اجتماعيًا وماديًا، بعضهم ينجح، والبعض الآخر يفشل ويسحق ولا يعرف عنه أحد شيئًا.

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.