التفكير الإبداعي في الكتابة والتأليف

التفكير الإبداعي في الكتابة والتأليف

0
(0)

إذا كنت في بداية مشوارك الأدبي وسألك أحدهم قائلًا: صف لي كيف كتبت هذا العمل؟ أو كيف توصلت لفكرة روايتك؟ فرجاء فكر مليًا قبل أن تجيب بهذه العبارة التي ستحكم عليك بالفشل: “كتبت ما خطر ببالي” .

يتوقع الكتاب المبتدؤون أن هذه مهارة أو ميزة إضافية أو ملكة خاصة؛ والحقيقة أن ما خطر ببال كل منهم ليس إلا ومضة يعرفها كل أصحاب الفن كتاب وغيرهم، هذه الومضة ليست أصيلة بالضرورة، فقد تكون مجرد استرجاع لكلمة أو صورة أو ذكرى، هذه الومضات لا تصلح بذاتها لتكون أعمالًا ناجحة، كل ما في الأمر أننا نلتقطها وندونها في مكان ما لحين الحاجة إليها، لأجل هذا تجد دفاتر الكتاب وهواتفهم وحواسبهم مليئة بالعبارات المبتورة والأفكار غير المكتملة ومسودات لا حصر لها.

وحين نكتب فإننا نعود لتلك الومضات كمصدر للأفكار التي أثارتنا على نحو ما، نختار واحدة أو أكثر ونتعهدها بالرعاية لفترة طويلة، تقرأ عنها، نعايشها، نفكر بها مرارًا، ننقدها، نبحث عن شبيه لها، وتدوم هذه المرحلة طويلًا وقد نعلق بها أشهرًا عديدة، وفي خضم هذه المعاناة الفكرية التي تستهلك الكثير من روحنا وعاطفتنا وفكرنا يأتي الإلهام.

يبدو الإلهام هنا كخلاصة لهذا العمل الفكري المضني، يأتي كسيل جارف من الأفكار والمفردات والصور والمشاعر، هذا الإلهام كنز ثمين تجب المحافظة عليه وتدوينه فورًا، لكن هل الإلهام كاف وحده لإخراج عمل حقيقي؟ لا.

بعد تفريغ هذا الإلهام ننساه أو نتناساه عمدًا، نتركه لفترة من الزمن ثم نعود إليه بعد أن نكون قد استعدتا صفاءنا وطاقتنا الذهنية والعاطفية، فنراجعه مرارًا، نضيف إليه، نحذف منه، نطوره، نغير مسار بعض جزئياته، كم مرة نقوم بذلك؟ لا أحد يدري، نحن نتوقف عندما نشعر أننا أجدنا التعبير عن الفكرة بحق، وأنها خرجت بالشكل الفني الذي يرضي كل كاتب منا، حينها نضغط زر النشر أيًا كان شكله وطريقته.

لهذا لا تخجل رجاء حين تجيب بأنك كتبت روايتك في سنة أو سنتين، أو أن تلك القصة القصيرة ذات الصفحة الواحدة قد استنفذت طاقتك لشهر كامل، وحتى المقال الذي كتبته في أسبوع او اثنين.

وسحقًا لدور النشر اليوم التي تعامل الإنتاج الأدبي وكأنها تزن خضرًا في سوق لبيع الخضراوات، فتشترط رواية لا تقل عن مائتي صفحة، سحقًا لها حين تفتح أبوابها لكتاب ناشئين تجعلهم يلهثون لتسويد عشرات الصفحات دون أن تشجعهم على تطوير فكرهم ولغتهم، سحقًا لها حين تُقصي أعمالًا شهدت بنفسي كيف صُنِعت وأي مجهود كان وراءها وأي تقدير يستحق أصحابها – تستبعدها دون سبب وأنا أعرف ما الذي سيحل محلها.

قرأت الكثير من روايات الشباب الطامحين ووجدت أغلبهم ضحايا التقليد والسطحية والرغبة في الظهور الأجوف، قرأت روايات حققت مبيعات كبيرة وهي فارغة ومجوفة لدرجة أني ندمت على ساعات عمري التي ضاعت هباء في استكشافها، ويؤلمني أن أقرأ مسودات لروايات جميلة كُتبت بفكر وتأني وإخلاص وتمت مراجعتها ومناقشتها مرارًا مع أفراد من الجمهور لتحسينها وتقييمها، يؤلمني أن هذه الأعمال بقيت لليوم حبيسة حواسب أصحابها.

آمل أن يأتي يوم تعود فيه الموازين لطبيعتها، أن تشترط دار النشر عملًا أصيلًا في فكرته، أن تحكم على بناء الشخصيات والحبكة والصياغة والمنطقية والمعقولية والذوق الفني للرواية لا عدد صفحاتها.

قيم هذا المقال

0 / 5. 0

كن أول من يقيم هذا المقال

Favorite

تعليقات القراء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

في ظلال الفصحى

هل تساءلت يومًا عن الفرق بين منشور طويل على منصات التواصل الاجتماعي وبين كتاب تقرؤه؟ لقد تغير الواقع كثيرًا، وأسئلة…

تابع القراءة
شجرة من الكتب في وقت غروب الشمس

نسمة السيد ممدوح

كاتبة ومذيعة مصرية من مواليد 1986، حاصلة على ليسانس الآداب قسم الإعلام – إذاعة وتلفزيون عام 2008.